الابتكار و الابداع في استراتيجيات التواصل
لتواصل هو انعكاس لتطور الإنسان وهذا يتطلب جهدا مستمرا لبناء إستراتيجيات تواصل فعّالة تحاكي هذا التطور، ولكن التحدي يكمن في اختلاف القناعات حول استراتيجيات التواصل وأهميتها والأثر الذي تحدثه على المنظمات والشركات.
فمع التطور السريع الذي تمر به البيئة الاتصالية في المملكة، لجأ الكثير من الممارسين إلى الاختصار والتركيز على تنفيذ أنشطة تواصلية مكثفة وسرعان ما اكتشف الممارسون أنهم بحاجة إلى تنظيم عملهم من خلال استراتيجية اتصالية وبعد بنائها – خلال عدة أشهر - اكتشفوا بأن هذه الإستراتيجية يصعب تنفيذها إما لأنها تتطلب ميزانية وفريق عمل لا يمتلكها أو لأنها جامدة وغير عملية وعلى قول البعض "كلام إنشائي". والبعض الآخر نجح في بناء استراتيجيات اتصالية كان لها أثر ملموس داخل المنظمة وخارجها. ومن هنا انقسم الناس إلى شقين في إيمانهم بالإستراتيجيات الاتصالية فمنهم من يراها عبئا ووجودها لا يضيف شيئا– حبر على ورق - ومنهم من يؤمن بها ويرى أن أي عمل اتصالي بدون إستراتيجية فهو ناقص. وفي رأيي فكلاهما لديه تجارب تثبت وجهة نظره.
ولنحدد الأهمية بدقة دعونا نعرّف الإستراتيجيات الاتصالية بأنها القدرة على بناء مسار اتصالي واضح يساهم في بناء صورة ذهنية صحيحة عن الجهة وفي الاستعداد والتعامل السليم مع التحديات والأزمات الاتصالية. وهنا يكمن دور الإبداع والابتكار بأن الاستراتيجية الاتصالية إذا لم تتميز بحد أدنى من الإبداع والابتكار فلن تحقق أهدافها من حيث الوصول والتأثر على الجمهور المستهدف وذلك لكثرة الرسائل التواصلية وارتفاع ذائقة المتلقي بشكل متسارع. وتحقق الإستراتيجية الاتصالية هدفين: 1- هدفا إداريا من حيث تحديد الأهداف، ومؤشرات الأداء، والميزانية، وغيرها. 2- وهدفا اتصاليا من حيث توضيح خارطة الطريق لكل العمليات الاتصالية لتضمن لنا اتساق السرد الاتصالي وتقلل الاجتهاد المستمر داخل المنظمة. وبرأيي إن جميع الجهات تحتاج إلى استراتيجية اتصالية، فتجارب بعضنا غير الموفقة لا تلغي أهميتها، وكل التحديات يمكن تفاديها من خلال بناء إستراتيجية بشكل صحيح.
ويتجسد الإبداع في جميع مراحل بناء الاستراتيجية: في البدء عند دراسة الوضع الراهن يكمن الإبداع في أخذ انطباع الجمهور بطريقة مبتكرة غير تقليدية تحفزه على المشاركة وفي استخراج أفضل الممارسات الاتصالية وعند البناء يكمن الابداع في بناء رسائل اتصالية يكون محورها المستفيد والجمهور وعند التنفيذ يكمن الإبداع في تحقيق أثر اتصالي عال بموارد محدودة. ويكمن الإبداع أيضاً في مواءمة أصحاب المصلحة داخليا أثناء بناء الاستراتيجية لإشراكهم وتبنيهم لها لأن التواصل عملية تشاركية بين جميع القطاعات والإدارات في المنظمة
والإبداع في استراتيجية التواصل يجب أن يحقق ثلاثة بنود ليكون ذا فعالية:
- متجدد ويعكس تطلعات الجهة
- يتسق مع الجمهور المستهدف ويحاكيهم
- يكون مستواه أعلى من السائد في السوق
وأي خلل في إحدى النقاط الثلاث سيجعل أثر الإبداع محدودا. ومن أهم الأدوات التي نحتاجها هو بناء العقلية الإبداعية في التواصل والخروج من منطقة الراحة وأخذ المخاطرة المدروسة. ومن الأمثلة الحديثة للإبداع في التواصل هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية في حملة "سمننا في دقيقنا" والتي ساهمت في زيادة الوعي عن الجهة وتوضيح دورها بشكل إبداعي لامس الناس، وأيضاً ظهور معالي المهندس عبدالله السواحة وزير الاتصالات وتقنية المعلومات في منصات التواصل الاجتماعي وحديثه المباشر حول مواضيع عن القيادة والتأثر، والظهور المميز للمعهد الملكي للفنون التقليدية "ورث" بعد تغيير اسمه وهويته وحضوره المميز في المحافل وتقديم هدايا مصممة من طلاب المعهد تجسد تراثنا وثقافتنا.
وختاماً، إن الإبداع في التواصل هو صلب العملية الاتصالية والحاجة إلى الإبداع ستزداد مع كثرة الرسائل الاتصالية وارتفاع ذائقة الجمهور والمستفيدين، ولذلك فإن إتقان الإبداع في بناء الإستراتيجيات الاتصالية سيكون إضافة قيّمة للأفراد الممارسين للتواصل والجهات التي يعملون بها.